طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فمن المعلوم عندنا وفي اعتقادنا بأن الله تعالى لا يخشى شيئاً، ولا يخاف من شيء، بل كلُّ شيءٍ يخافُه، والله تعالى يعلم الأمور قبل وجودها وأثناء وجودها وبعد وجودها.
ولو كان الله تعالى يخشى شيئاً ـ وهذا مستحيل ـ لما صلح أن يكون إلهاً، تعالى الله عن ذلك علوَّاً كبيراً.
أما قوله تعالى في سورة الكهف: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً} فقد اختلف المفسرون في معنى قوله: {فَخَشِينَا} مع اتفاقهم على نفي الخوف عن الله تعالى، لأن هذا مستحيل في حقه جل وعلا.
فقال بعضهم: قوله: {فَخَشِينَا} هو من كلام الخضر عليه السلام، وهو الذي يشهد له سياق الكلام، وهو قول أكثر المفسرين، ومعنى: {فَخَشِينَا} أي: خفنا، وهذا ذكره القرطبي.
وقال بعضهم: هو من كلام الله تعالى، وعنه عبّر الخضر عليه السلام، ومعناها: فعلمنا. وهذا ذكره الطبري في تفسيره، وقال: وكذا قال ابن عباس رَضِيَ اللهُ عنهُما: أي فعلمنا، وهذا كما كنى عن العلم بالخوف في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] أي إلا أن يعلما.
وقال بعضهم: معنى قوله: {فَخَشِينَا} أي: فكرهنا، كما يقول: فرقت بينهما خشية أن يقتتلا، أي: كراهة أن يقتتلا.
وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: (فخاف ربك...)، وهذا من باب الاستعارة، وهذا نظيره في القرآن كثير، كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، [آل عمران: 130] {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً} [النساء: 84] من صيغ الترجي والتوقع والخشية، إنما هو بحسبكم أيها المخاطبون.
قال ابن عطية: إن الخوف والخشية كالترجي بـ«لَعلَّ» ونحوها الواقع في كلامه تعالى، مصروفٌ إلى المخاطبين، وإلا فالله تعالى منزَّه عن كلِّ ذلك. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |