طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: هَذِهِ المَرْأَةُ ارْتَكَبَتْ كَبِيرَةً مِنَ الكَبَائِرِ، وَإِذَا كَانَ الزِّنَا كَبِيرَةً مِنَ الكَبَائِرِ فَهُوَ في حَقِّهَا أَشَدُّ إِثْمَاً، لِأَنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ حَدَّاً للزَّانِي البِكْرِ مِئَةَ جَلْدَةٍ، وَلِلْمُحْصَنِ الرَّجْمَ حَتَّى المَوْتِ.
هَذِهِ المَرْأَةُ كَفَرَتْ بِنِعْمَةِ اللهِ تعالى عَلَيْهَا، فَبَدَّلَتْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْرَاً، وَخَانَتْ زَوْجَهَا، وَدَنَّسَتْ عِرْضَهُ، وَلَوَّثَتْ فِرَاشَهُ، وَخَانَتِ الأَمَانَةَ التي حَمَّلَهَا إِيَّاهَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ.
ثانياً: مِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ تعالى عَلَى خَلْقِهِ أَنَّهُ يَسْتُرُهُمْ حَالَ المَعْصِيَةِ، وَيَدْعُوهُمْ إلى التَّوْبَةِ قَبْلَ الفَوْتِ، وَقَدْ فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ، وَخَاطَبَ الجَمِيعَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعَاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامَاً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانَاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحَاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابَاً﴾.
ثالثاً: جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ.
فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهَاً بَيِّنَاً بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ».
مَعْنَى: «وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»: أَيْ: الخَيْبَةُ، وَلَا حَقَّ لَهُ في النَّسَبِ، وَإِنْ كَانَ مُحْصَنَاً فَلَهُ الرَّجْمُ بِالحِجَارَةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ للإِمَامِ البخاري قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الوَلَدُ لِصَاحِبِ الفِرَاشِ».
فَإِذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالوَلَدِ الذي جَاءَ مِنْ زَوْجَتِهِ وَلَمْ يَنْفِهِ، فَيَلْحَقُ بِهِ، وَتَجْرِي عَلَيْهِ نَتَائِجُ القَرَابَةِ، وَيَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَالإِرْثَ.
وبناء على ذلك:
فَعَلَى هَذِهِ المَرْأَةِ المُتَزَوِّجَةِ التي اقْتَرَفَتِ الفَاحِشَةَ ـ وَهِيَ في عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ ـ أَنْ تَصْدُقَ في تَوْبَتِهَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ تَتَضَرَّعَ إلى اللهِ تعالى في أَنْ يَقْبَلَ تَوْبَتَهَا ـ وَنَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ يَعْفُوَ عَنَّا وَعَنْهَا ـ وَمَا دَامَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَتَرَهَا، فَعَلَيْهَا أَنْ لَا تَهْتِكَ سِتْرَ اللهِ تعالى عَنْهَا، وَلَا تُخْبِرْ زَوْجَهَا بِذَلِكَ وَلَا أَحَدَاً غَيْرَهُ.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ للوَلَدِ فَيُنْسَبُ إلى أَبِيهِ ـ الزَّوْجِ ـ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الحَمْلُ مِنْهُ، وَلَا يَنْتَفِي نَسَبُهُ عَنْهُ إِلَّا إِذَا نَفَاهُ بِاللِّعَانِ، لِأَنَّ الأَصْلَ أَنَّ الوَلَدَ للفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ.
وَمَا دَامَ الزَّوْجُ لَمْ يَنْفِهِ فَهُوَ وَلَدُهُ، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ نَتَائِجُ القَرَابَةِ، وَيَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الإِرْثِ كَامِلَةً، يَرِثُ وَيُورَثُ؛ وَإِلَى اللهِ تعالى المُشْتَكَى. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |