طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالشَّهِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
الأَوَّلُ: شَهِيدُ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، وَالثَّانِي: شَهِيدُ الدُّنْيَا، وَالثَّالِثُ: شَهِيدُ الآْخِرَةِ.
الأَوَّلُ: شَهِيدُ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ: هُوَ الَّذِي يُقْتَل فِي قِتَالٍ مَعَ الْكُفَّارِ، مُقْبِلَاً غَيْرَ مُدْبِرٍ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَكَلِمَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا هِيَ السُّفْلَى، دُونَ غَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِ الدُّنْيَا.
فَقَدْ رَوَى الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ».
الثَّانِي: شَهِيدُ الدُّنْيَا: هُوَ مَنْ قُتِلَ فِي قِتَالٍ مَعَ الْكُفَّارِ وَقَدْ غَلَّ فِي الْغَنِيمَةِ، أَوْ قَاتَلَ رِيَاءً، أَوْ لِغَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِ الدُّنْيَا.
الثَّالِثُ: شَهِيدُ الآْخِرَةِ: هُوَ المَقْتُول ظُلْمَاً مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَكَالمَيِّتِ بِدَاءِ الْبَطْنِ، أَوْ بِالطَّاعُونِ، أَوْ بِالْغَرَقِ، وَكَالمَيِّتِ فِي الْغُرْبَةِ، وَكَطَالِبِ الْعِلْمِ إِذَا مَاتَ فِي طَلَبِهِ، وَالنُّفَسَاءِ الَّتِي تَمُوتُ فِي طَلْقِهَا.
روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ».
وروى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ».
وروى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ».
وبناء على ذلك:
فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّ شَهِيدَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، الذي قَاتَلَ الكُفَّارَ، وَقُتِلَ عَلَى أَيْدِيهِمْ مُقْبِلَاً غَيْرَ مُدْبِرٍ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا، لَا يُغَسَّلُ، لِإِبْقَاءِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَا يُكَفَّنُ، بَلْ يُدْفَنُ في ثِيَابِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي اللهِ إِلَّا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى، لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ» رواه النسائي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَأَمَّا مَا عَدَاهُ مِنْ شُهَدَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ.
وَكَذَلِكَ شُهَدَاءُ الآخِرَةِ مِمَّنْ قُتِلَ ظُلْمَاً أَوْ مَبْطُونَاً، أَوْ غَرِيقَاً، فَإِنَّهُم يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |