طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَمَسْأَلَةُ سَتْرِ الوَجْهِ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، بَعْضُهُمْ يَرَى جَوَازَ كَشْفِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَرَى وُجُوبَ سَتْرِهِ، وَحُرْمَةَ كَشْفِهِ. هذا أولاً.
ثانياً: طَاعَةُ الزَّوْجِةِ لِزَوْجِهَا في غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى وَاجِبَةٌ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.
وَقَدْ رَتَّبَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَاعَةِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا الثَّوَابَ الجَزِيلَ العَظِيمَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّتِ المَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ» رواه الحاكم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
وَاتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا وَاجِبَةٌ في غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وَإِلَّا عَرَّضَتْ نَفْسَهَا لِسَخَطِ اللهِ تعالى، روى الترمذي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: العَبْدُ الآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ».
ثالثاً: طَاعَةُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا في المَسَائِلِ الخِلَافِيَّةِ بَيْنَ الفُقَهَاءِ تُقْسَمُ إلى قِسْمَيْنِ:
الأَوَّلُ: إِذَا كَانَتِ المَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالعِبَادَةِ مِنْ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَفْعَلَ إِلَّا مَا كَانَتْ تَعْتَقِدُهُ وَتَقْتَنِعُ بِهِ وَتَدِينُ بِهِ، كَزَكَاةِ الحُلِيِّ مَثَلَاً، الزَّوْجَةُ تَرَى وُجُوبَهُ كَمَا قَالَ الحَنَفِيَّةُ، وَالزَّوْجُ لَا يَرَى وُجُوبَهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، فَفِي هَذَِا الحَالِ لَا يَجُوزُ للرَّجُلِ أَنْ يُلْزِمَ زَوْجَتَهُ بِعَدَمِ إِخْرَاجِ زَكَاةِ حُلِيِّهَا، لِأَنَّهَا تَرَى وُجُوبَهُ، وَتَخْشَى مِنَ العَاقِبَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾.
الثَّانِي: وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ المَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِأُمُورٍ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الفُقَهَاءِ بَيْنَ الجَوَازِ وَالتَّحْرِيمِ، كَمَسْأَلَةِ كَشْفِ الوَجْهِ، فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ كَشْفِ الوَجْهِ إِذَا كَانَ يَرَى وُجُوبَ سَتْرِهِ، وَلَيْسَ لَهَا مُخَالَفَتُهُ وَعِصْيَانُهُ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ القَضِيَّةِ، لِأَنَّ هَذَا يَتَعَلَّقُ بِشَخْصِهِ كَذَلِكَ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ يَغَارُ عَلَى زَوْجَتِهِ.
وبناء على ذلك:
فَيَجِبُ عَلَى زَوْجَتِكَ أَنْ تَمْتَثِلَ أَمْرَكَ، لِأَنَّكَ لَا تَأْمُرُهَا بِمَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وَإِنْ كَانَتْ تَرى مَسْأَلَةَ كَشْفِ الوَجْهِ مُبَاحٌ وَجَائِزٌ، مَا دُمْتَ أَنَّكَ تَرَى وُجُوبَ سَتْرِهِ، وَلِأَنَّ هَذَا الأَمْرَ يَتَعَلَّقُ بِحَقِّكَ مِنْ حَيْثُ الغَيْرَةُ الشَّرْعِيَّةُ المُنْضَبِطَةُ بِضَوَابِطِ الشَّرِيعَةِ.
وَأَنَا أُذَكِّرُ هَذِهِ الزَّوْجَةَ بِالأَثَرِ الذي جَاءَ في مُسْنَدِ الحَارِثِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً غَزَا وَامْرَأَتُهُ فِي عُلُوٍّ، وَأَبُوهَا فِي السَّفَلِ، وَأَمَرَهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا، فَاشْتَكَى أَبُوهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ وَاسْتَأْذَنَتْهُ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا أَنِ «اتَّقِي اللهَ وَأَطِيعِي زَوْجَكِ».
ثُمَّ إِنَّ أَبَاهَا مَاتَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْتَأْذِنُهُ وَأَخْبَرَتْهُ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا «أَنِ اتَّقِي اللهَ وَأَطِيعِي زَوْجَكِ».
فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى عَلَى أَبِيهَا، فَقَالَ لَهَا: «إِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لِأَبِيكِ بِطَوَاعِيَتِكِ لِزَوْجِكِ».
فَإِذَا كُنْتِ حَرِيصَةً عَلَى دُخُولِ الجَنَّةِ فَأَطِيعِي زَوْجَكِ، لِأَنَّهُ يَأْمُرُكِ بِمَا يَرَاهُ وَاجِبَاً عَلَيْكَ، وَلَمْ يَأْمُرْكِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ وَلَا سُنَّةٍ، بَلْ يَأْمُرُكِ بِتَرْكِ أَمْرٍ مُبَاحٍ حَسْبَ مَا تَعْتَقِدِينَ، وَطَاعَةُ الزَّوْجِ وَاجِبَةٌ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |