طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَهَذَا الكَلَامُ يُعَارِضُ مَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدَاً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرِّحٍ».
وَيُعَارِضُ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَضْحَكَ الرَّجُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الأَنْفُسِ، وَقَالَ: «بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الفَحْلِ، أَوِ العَبْدِ، ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا».
وفي رِوَايَةِ الإمام أحمد: «عَلَامَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ».
وَيُعَارِضُ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رواه الإمام الحاكم عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللهِ».
فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ (اجْتَرَأْنَ) فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ.
فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ، لَيْسَ أُولَائِكَ بِخِيَارِكُمْ».
وَقَدْ نَصَّ الفُقَهَاءُ بِالاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مِمَّا يُؤَدِّبُ بِهِ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ عِنْدَ نُشُوزِهَا الـضَّرْبَ، وَاشْتَرَطُوا في ضَرْبِ التَّأْدِيبِ إِنْ نَشَزَتِ الزَّوْجَةُ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ غَيْرَ مُدْمٍ وَلَا مُبَرِّحٍ، وَلَا شَائِنٍ، وَلَا مُخَوِّفٍ، وَلَا يَكْسِرُ عَظْمَاً، لِأَنَّ المَقْصُودَ مِنْهُ الصَّلَاحُ لَا غَيْرَ.
وبناء على ذلك:
فَهَذَا الكَلَامُ المُتَدَاوَلُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَفِيهِ تَكْذِيبٌ لِحَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَضَرْبُ المَرْأَةِ النَّاشِزِ للتَّأْدِيبِ مَشْرُوعٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَكِنِ الأَوْلَى وَالأَكْرَمُ في حَقِّ الخِيَارِ مِنَ الأَزْوَاجِ أَنْ لَا يَضْرِبُوا حِفَاظَاً عَلَى المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.
وَالأَمْرُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ هَذَا التَّأْوِيلِ يَتَكَلَّفُ إِرْضَاءَ أَعْدَاءِ الإِسْلَامِ وَمَرْضَى القُلُوبِ، الذينَ يُشَكِّكُونَ النَّاسَ بِدِينِهِمْ وَيَتَّهِمُونَ الإِسْلَامَ، وَيَغَضُّونَ الطَّرْفَ عَمَّا في تَأْدِيبِ الإِسْلَامِ للمَرْأَةِ مِنَ الرَّحْمَةِ، قِيَاسَاً عَلَى مَا لَدَيْهِمْ مِنَ الوَحْشِيَّةِ في التَّعَامُلِ مَعَ النِّسَاءِ، فَمَا تَذْكُرُهُ التَّقَارِيرُ عَنْ أَنَّهَا لَا تَمُرُّ دَقِيقَةُ في الغَرْبِ إِلَّا وَيُهَشَّمُ رَأْسُ امْرَأَةٍ بِالضَّرْبِ وَالقَتْلِ، وَلَكِنْ مَرْضَى النُّفُوسِ لَا يَقِفُونَ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا يُشِيرُونَ إِلَيْهِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |