طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الفُقَهَاءِ في جَوَازِ تَفْسِيرِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، بَلْ هُوَ مِنْ فُرُوضِ الكِفَايَاتِ، وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَيُشْتَرَطُ لِمَنْ أَرَادَ تَفْسِيرَ القُرْآنِ العَظِيمِ أَنْ يَكُونَ عَالِمَاً، بِاللُّغَةِ، وَالنَّحْوِ، وَالـصَّرْفِ، وَالاشْتِقَاقِ، وَالمَعَانِي، وَالبَيَانِ، وَالبَدِيعِ، وَالقِرَاءَاتِ، وَأَسْبَابِ النُّزُولِ، وَالنَّاسِخِ، وَالمَنْسُوخٍ، وَالفِقْهِ، وَالأَحَادِيثِ المُبَيِّنَةِ لِتَفْسِيرِ المُجْمَلِ وَالمُبْهَمِ.
وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الفُقَهَاءُ عَلَى حَظْرِ تَفْسِيرِ القُرْآنِ بِالرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ لُغَةٍ وَلَا نَقْلٍ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ﴾. ثُمَّ قَالَ: ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾. وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ» رواه الترمذي « عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ القُرْآنِ بِدُونِ عِلْمٍ، بَلْ عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَسِّرَ القُرْآنَ أَنْ يُفَسِّرَهُ أَوَّلَاً بِالقُرْآنِ، أَو بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، أَو بِمُقْتَضَى لِسَانِ العَرَبِ، وَبِالشُّرُوطِ التي ذَكَرَهَا العُلَمَاءُ.
أَمَّا تَفْسِيرُهُ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ فَهُوَ مَشْمُولٌ في الأَحَادِيثِ التي حَذَّرَتْ مِنْ تَفْسِيرِ القُرْآنِ الكَرِيمِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَيَقُولُ مُجَاهِدٌ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي كِتَابِ اللهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمَاً بِلُغَاتِ الْقُرْآنِ، وَلَا يَكْتَفِي بِالْيَسِيرِ.
كَمَا يُشْتَرَطُ في المُفَسِّرِ صِحَّةُ الاعْتِقَادِ، وَلُزُومُ السُّنَّةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُتَّهَمَاً بِإِلْحَادٍ، وَلَا هَوَىً، فَهَذَا لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى دُنْيَا، فَكَيْفَ يُؤْتَمَنُ عَلَى دِينٍ؟ بَلْ كَيْفَ يُؤْتَمَنُ في الإِخْبَارِ عَنْ أَسْرَارِ القُرآنِ الكَرِيمِ كَلَامِ اللهِ تعالى؟ هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |