طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ روى الإمام مسلم عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ...... ثُمَّ قَالَ لَهُ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ.
قَالَ: «مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ».
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا.
قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنْيَانِ».
وَاخْتَلَفَ شُرَّاحُ الحَدِيثِ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الفِقْرَةِ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ.
بَعْضُهُمْ قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا» أَيْ: سَيِّدَتَهَا وَسَيِّدَهَا، وَمَالِكَهَا وَمَالِكَتَهَا، وَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ كَثْرَةِ السَّرَارِي وَأَوْلَادِهِنَّ، فَإِنَّ وَلَدَ الأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا بِمَنْزِلَةِ سَيِّدِهَا.
وَبَعْضُهُمْ قَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الإِمَاءَ يَلِدْنَ المُلُوكَ، فَتَكُونُ أُمُّهُ مِنْ جُمْلَةِ رَعِيَّتِهِ، وَهُوَ سَيِّدُهَا وَسَيِّدُ غَيْرِهَا مِنَ الرَّعِيَّةِ.
وَبَعْضُهُمْ قَالَ: مَعْنَى «أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا»: أَنَّهُ يَكْثُرُ العُقُوقُ في الأَوْلَادِ، فَيُعَامِلُ الوَلَدُ أُمَّهُ مُعَامَلَةَ السَّيِّدِ أَمَتَهُ، مِنَ الإِهَانَةِ وَالسَّبِّ وَالضَّرْبِ وَالاسْتِخْدَامِ، فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ رَبُّهَا مَجَازَاً.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ: مِنْ عَلَامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ كَثْرَةُ العُقُوقُ للأُمَّهَاتِ مِنْ أَجْلِ إِرْضَاءِ الزَّوْجَاتِ، وَهَذَا مُلَاحَظٌ في مُجْتَمَعِنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |