طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: جَمِيعُ العِبَادَاتِ التي شَرَعَهَا اللهُ تعالى لِخَلْقِهِ لَهَا ثِمَارُهَا الطَّيِّبَةُ وَآثَارُهَا العَظِيمَةُ عَلَى سُلُوكِ العِبَادِ، فَالصَّلَاةُ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ، وَالإِيذَاءُ بِاللِّسَانِ مِنَ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ، وَالصِّيَامُ يُثْمِرُ التَّقْوَى، وَتِلَاوَةُ القُرْآنِ تَزِيدُ الإِيمَانَ، وَصَاحِبُ التَّقْوَى وَالإِيمَانِ يَكُفُّ لِسَانَهُ عَنْ إِيذَاءِ الآخَرِينَ.
فَمَنْ كَانَ حَرِيصَاً عَلَى ثِمَارِ عِبَادَاتِهِ فَإِنَّهُ يَصُونُهَا مِنَ الضَّيَاعِ، وَيَكُونُ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَنْ تَذْهَبَ إلى غَيْرِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.
روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا المُفْلِسُ؟».
قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ.
فَقَالَ: «إِنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ».
ثانياً: يَجِبُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا وَامْرَأَةٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ جَمِيعَ العِبَادَاتِ جَاءَتْ لِتَجْعَلَ مِنَ المُسْلِمِ وَالمُسْلِمَةِ صَاحِبَ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَأَنْ يُنَافِسَ الآخَرِينَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلَاً﴾ وَمِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.
لِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَ دَائِمَاً قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلَاقِ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَكُلُّ مَا جَاءَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جَاءَ لِيُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنَهَا وَصَالِحَهَا.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَإِنْ صَحَّ قَوْلُكِ، فَأَيُّ دِينٍ وَصَلَاحٍ عِنْدَ أُمِّ زَوْجِكِ إِنْ كَانَتْ تُؤْذِي بِلِسَانِهَا، وَتَجْرَحُ قُلُوبَ الآخَرِينَ، أَيْنَ هِيَ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنَاً﴾؟
وَأَيْنَ هِيَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرَاً أَوْ لِيصْمُتْ»؟ رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَأَيْنَ هِيَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ لِمُعَاذٍ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا»؟ رواه الترمذي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
لِتَسْمَعْ هَذِهِ المَرْأَةُ، وَلْتَسْمَعْ كُلُّ أُمِّ زَوْجٍ تَتَظَاهَرُ بِصَلَاحِهَا وَصَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَحِجَابِهَا، وَتُؤْذِي زَوْجَةَ ابْنِهَا بِلِسَانِهَا، حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: «هِيَ فِي النَّارِ».
وَلْتَسْمَعْ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ: «الخُلُقُ الحَسَنُ يُذِيبُ الخَطَايَا كَمَا يُذِيبُ المَاءُ الجَلِيدَ، وَالخُلُقُ السُّوءُ يُفْسِدُ العَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
نَعَمْ، زَوْجَةُ الابْنِ تَحْتَاجُ إلى تَوْجِيهٍ وَنُصْحٍ وَمُتَابَعَةٍ، وَلَكِنْ بِالطَّرِيقِ الذي ذَكَرَهُ اللهُ تعالى لَنَا في القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنَاً﴾. ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ﴾. لَيْسَ بِالكَلَامِ الفَظِّ الجَارِحِ، وَلَا بِاللِّسَانِ السَّلِيطِ، أَو بِالسَّبِّ وَالشَّتْمِ وَالتَّوْبِيخِ.
كَمَا أَنْصَحُ زَوْجَةَ الابْنِ أَنْ لَا تُبَرِّرَ لِنَفْسِهَا بِسَبَبِ سُوءِ خُلُقِ حَمَاتِهَا أَنْ تَرُدَّ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، فَرُبَّمَا تُوقِعُ زَوْجَهَا بِتَغَيُّرِ قَلْبِ أُمِّهِ عَلَيْهِ، بَلْ عَلَيْهَا أَنْ تَصْبِرَ مَا أَمْكَنَ وَتَعْمَلَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾. فَتَكُونَ خَيْرَاً عَلَى حَمَاتِهَا وَمُعِينَةً لِزَوْجِهَا عَلَى سَلَامَةِ قَلْبِ أُمِّهِ عَلَيْهِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |