طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: الطَّلَاقُ عِلَاجٌ شَرْعِيٌّ لَا يُسْتَخْدَمُ إلا في وَقْتِهِ المُنَاسِبِ، وَقَدْ شَرَعَهُ اللهُ تعالى بِقَوْلِهِ: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾.
وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» رواه ابن ماجه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَبْغَضُ الحَلَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» رواه أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وفي رِوَايَةِ الحَاكِمِ: «مَا أَحَلَّ اللهُ شَيْئَاً أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ».
ثانياً: مَا يَنْبَغِي عَلَى الإِنْسَانِ المُسْلِمِ أَنْ يُعَلِّقَ بَعْضَ الأُمُورِ عَلَى الطَّلَاقِ، لِأَنَّ يَمِينَ الطَّلَاقِ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ إِلَّا للضَّرُورَةِ القُصْوَى.
وَقَدْ وَرَدَ في كَنْزِ العُمَّالِ: مَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مُؤْمِنٌ، وَلَا اسْتُحْلِفَ بِهِ إِلَّا مُنَافِقٌ. / ابن عساكر عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَجَاءَ في كَشْفِ الخَفَا: لَا تَحْلِفُوا بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالعِتَاقِ، فَإِنَّهُمَا مِنْ أَيْمَانِ الفُسَّاقِ.
وروى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُطَلِّقُوا النِّسَاءَ إِلَّا مِنْ رِيبَةٍ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الذَّوَّاقِينَ وَلَا الذَّوَّاقَاتِ».
وَجَاءَ في المَقَاصِدِ الحَسَنَةِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعَاً: «مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَلْعَبُ بِحُدُودِ اللهِ يَقُولُ: قَدْ طَلَّقْتُ قَدْ رَاجَعْتُ».
وَكَأَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَا يَقْتَضِيهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُمُ: الطَّلَاقُ يَمِينُ الفُسَّاقُ. اهـ.
ثالثاً: إِذَا عَجِزَ الإِنْسَانُ عَنْ إِصْلَاحِ زَوْجَتِهِ بَعْدَ سُلُوكِهِ الطَّرِيقَ الذي ذَكَرَهُ اللهُ تعالى لَهُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمَاً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمَاً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحَاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمَاً خَبِيرَاً﴾. فَعَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلَّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعَاً حَكِيمَاً﴾.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالطَّلَاقُ عِلَاجٌ حَاسِمٌ، وَحَلٌّ نِهَائِيٌّ لِمَا اسْتَعْصَى حَلُّهُ عَلَى الزَّوْجَيْنِ، وَأَهْلِ الخَيْرِ وَالحَكَمَيْنِ، بِسَبَبِ تَبَايُنِ الأَخْلَاقِ، وَتَنَافُرِ الطَّبَائِعِ، وَتَعَقُّدِ مَسِيرَةِ الحَيَاةِ المُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.
وَعَلَى كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَتَنَافَسَا عَلَى حُسْنِ الأَخْلَاقِ طَمَعَاً بِالوَعْدِ الرَّبَّانِيِّ عِنْدَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾. وَرَحْمَةً بِالأَوْلَادِ.
وَالمَرْأَةُ العَاقِلَةُ إِذَا حَلَفَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَبَرَّ قَسَمَهُ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ وَصْفِ المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ الكَامِلَةِ، روى ابن ماجه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مَا اسْتَفَادَ المُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللهِ خَيْرَاً لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ، إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ». هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |