37ـ الإنسان في القرآن العظيم : ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾

 

الإنسان في القرآن العظيم

37ـ ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْرِفُ طَرِيقَ العَبْدِ عَنْ نَهْجِ الاسْتِقَامَةِ عَلَى مَنْهَجِ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى هُوَ مَا رُكِّبَ في الإِنْسَانِ مِنْ شَهَوَاتٍ، حَيْتُ تَكُونُ سَبَبَاً في انْحِرَافِهِ إِذَا اسْتَوْلَتِ الشَّهَوَاتُ عَلَيْهِ.

الإِنْسَانُ مُزَيَّنٌ في نَفْسِهِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآبِ﴾. وَجَاءَ الإِسْلَامُ وَأَرَادَ مِنْ أَتْبَاعِهِ أَنْ يَرْتَفِعُوا فَوْقَ هَذَا المُسْتَوَى، وَأَنْ يَسْتَقِيمُوا عَلَى مَنْهَجِ اللهِ تعالى، مِنْ أَجْلِ سَلَامَةِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.

وَأَعْلَمَهُمْ تَبَارَكَ وتعالى عَنْ نَعِيمِ الآخِرَةِ الدَّائِمِ الذي لَا يَتَوَقَّفُ وَلَا يَنْتَهِي وَلَا يَتَلَاشَى، فَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ﴾. يَعْنِي: أَأُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا؟ هُوَ نَعِيمُ الآخِرَةِ؛ فَنِعَمُ الدُّنْيَا تُسَمَّى زِينَةً، وَهِيَ مَتَاعٌ، وَالمَتَاعُ هُوَ الذي لَا يَدُومُ لَكَ، وَإِنْ دَامَ لَكَ فَأَنْتَ لَنْ تَدُومَ لَهُ؛ أَمَّا نَعِيمُ الآخِرَةِ، فَهُوَ النَّعِيمُ الدَّائِمُ مَعَ الخُلُودِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تعالى عَنْهُ: ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾.

فَمَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا عَارِضٌ زَائِلٌ لَا يَدُومُ، وَجَمِيعُهُ لَا يُسَاوِي عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَهُوَ شَيْءٌ تَافِهٌ وَيَسِيرٌ بِجَانِبِ نَعِيمِ الآخِرَةِ.

أَشَدُّ الأَمْرَاضِ مَرَضُ الغَفْلَةِ عَنِ اللهِ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا يَعْلَمُ بِأَنَّ القَلْبَ هُوَ مَلِكُ الجَوَارِحِ، وَسَيِّدُ الأَعْضَاءِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ».

هَذَا القَلْبُ إِذَا غَفَلَ عَنِ الحَقِيقَةِ التي أَشَارَ إِلَيْهَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ﴾. فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُسَيْطِرَ عَلَى الجَوَارِحِ، وَلَا يَقْبَلُ تَأْشِيرَاتِ وَتَصْرِيحَاتِ العَقْلِ، أَمَّا إِذَا كَانَ سَلِيمَاً حَاضِرَاً يَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تعالى، وَيَلْتَزِمُ أَوَامِرَهُ، فَإِنَّ حَيَاةَ هَذَا الإِنْسَانِ حَيَاةٌ طَيِّبَةٌ، وَصَالِحَةٌ، وَجَوَارِحَهُ مُسْتَقِيمَةٌ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ انْغِمَاسَ النَّاسِ في الشَّهَوَاتِ المُخَالِفَةِ سَبَبُهَا مَرَضُ القَلْبِ وَغَفْلَتُهُ عَنِ اللهِ تعالى، وَإِذَا اسْتَحْكَمَتِ الغَفْلَةُ عَلَى القَلْبِ صَرَفَتْ صَاحِبَهُ عَنِ الهِدَايَةِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَهْتَدِيَ، وَلَو أَمْلَى العَقْلُ عَلَى صَاحِبِهِ الحَقَّ، قَالَ تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلَاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلَاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾.

وَمَنْ عَاشَ في غَفْلَةٍ وَغَرِقَ في الشَّهَوَاتِ يَنْسَى اللهَ تعالى، وَيَنْسَى وَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ، وَيَنْسَى جَنَّتَهُ وَنَارَهُ، وَيَنْسَى لِقَاءَ المَوْتِ، وَيُصْبِحُ وَيُـمْسِي مُتَقَلِّبَاً في الشَّهَوَاتِ وَالطَّعَامِ وَالـشَّرَابِ إلى أَنْ يَمُوتَ، فَإِذَا مَاتَ اسْتَيْقَظَ، قَالَ تعالى: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾. وَلَكِنْ مَاذَا يَنْفَعُ إِذَا كُشِفَ لَهُ الغِطَاءُ عَنْ دَارِ المُقَامَةِ؟ عِنْدَهَا يَقُولُ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.

غُرُورُ الإِنْسَانِ وَإِعْجَابُهُ بِكَلِمَةِ أَنَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مَنِ اتَّبَعَ الشَّهَوَاتِ المُحَرَّمَةَ بِسَبَبِ غَفْلَةِ قَلْبِهِ عَنِ اللهِ تعالى، فَإِنَّهُ يَقَعُ في وَهْمٍ كَلِمَةِ الأَنَا، يَقَعُ في الغُرُورِ وَالعُجْبِ، حَتَّى يَكَادُ أَنْ يَصِلَ إلى الكُفْرِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

هَذَا فِرْعَوْنُ رَأْسُ الطُّغَاةِ غَرِقَ في الشَّهَوَاتِ، وَوَقَعَ في الغُرُورِ، وَقَالَ: ﴿يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِـصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ المَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾.

لَقَدْ غَرِقَ في الشَّهَوَاتِ، وَنَسِيَ اللهَ تعالى، وَأُعْجِبَ بِمَا آتَاهُ اللهُ تعالى، وَقَالَ أَنَا الفِرْعَوْنِيَّةِ، فَكَانَتْ نَتِيجَتُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ المُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾. هَذِهِ هِيَ نَتِيجَةُ الغَفْلَةِ عَنِ اللهِ تعالى، وَالانْغِمَاسِ في الشَّهَوَاتِ العَاجِلَةِ بِطَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ.

وَهَذَا قَارُونُ الذي قَالَ اللهُ تعالى عَنْهُ: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعَاً وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾. غَرِقَ في الشَّهَوَاتِ، وَنَسِيَ اللهَ تعالى، وَأُعْجِبَ بِمَا آتَاه اللهُ تعالى، وَقَالَ أَنَا الفِرْعَوْنِيَّةِ، فَكَانَتْ نَتِيجَتُهُ: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَـنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ﴾.

وَهَذَا المَغْرُورُ الثَّالِثُ العَاصِ بْنُ وَائِلٍ الذي غَرِقَ في الشَّهَوَاتِ، وَنَسِيَ اللهَ تعالى، الذي قَالَ اللهُ تعالى عَنْهُ: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالَاً وَوَلَدَاً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدَاً * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدَّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدَاً * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزَّاً * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدَّاً * أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزَّاً * فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدَّاً * يَوْمَ نَحْشُرُ المُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدَاً * وَنَسُوقُ المُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدَاً﴾. لَقَدْ كَانَ لِسَيِّدِنَا خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ دَيْنٌ عَلَى العَاصِ بْنِ وَائِلٍ، روى الإمام البخاري عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كُنْتُ رَجُلَاً قَيْنَاً، وَكَانَ لِي عَلَى العَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ.

فَقَالَ لِي: لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ.

قَالَ: قُلْتُ: لَنْ أَكْفُرَ بِهِ حَتَّى تَمُوتَ، ثُمَّ تُبْعَثَ.

قَالَ: وَإِنِّي لَمَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ المَوْتِ، فَسَوْفَ أَقْضِيكَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَى مَالٍ وَوَلَدٍ.

قَالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالَاً وَوَلَدَاً * أَطَّلَعَ الغَيْبَ أَمُ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدَاً * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العَذَابِ مَدَّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدَاً﴾.

مَا هَذَا الغُرُورُ، وَمَا هَذِهِ الشَّهَوَاتُ التي أَنْسَتِ العَبْدَ حَقيقَةَ الدَّارِ الآخِرَةِ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ غَرِقَ في مَتَاعِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَنَسِيَ اللهَ تعالى وَالدَّارَ الآخِرَةَ، فَقَدْ حَرَمَ نَفْسَهُ مِنْ نَعِيمِ الآخِرَةِ الذي لَا يَفْنَى وَلَا يَزُولُ، وَصَاحِبُهُ مِنَ الخَالِدِينَ فِيهِ، قَالَ تعالى في نَعِيمِ الآخِرَةِ: ﴿وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾. لَهُمْ مَا أَرَادُوا مِنَ الشَّهَوَاتِ الأُخْرَوِيَّةِ مَعَ الخَلُودِ فِيهَا «يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ».

تَعَامَلْ مَعَ الشَّهَوَاتِ وِفْقَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لِتَفُوزَ بِنَعِيمِ الآخِرَةِ الذي قَالَ الله تعالى فِيهَا: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلَاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾. وَقَالَ فِيهَا: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ﴾.

هَذِهِ السَّعَادَةُ الحَقِيقِيَّةُ، أَمَّا السَّعَادَةُ في الدُّنْيَا فَهِيَ وَهْمٌ في وَهْمٍ، نِعَمٌ لَا تَدُومُ، وَمَتَاعٌ قَلِيلٌ، وَإِنْ دَامَتْ فَالعَبْدُ المُنْعَمُ عَلَيْهِ لَا يَدُومُ، بَلْ سَيَمُوتُ، لَا بُدَّ مِنْ فِرَاقِ النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ، إِمَّا بِزَوَالِهَا وَإِمَّا بِزَوَالِ المُنْعَمِ عَلَيْهِ، وَإِمَّا بِكِلَيْهِمَا ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمَاً آخَرِينَ﴾. ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَـنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ﴾.

أَسْأَلُ اللهَ نَعِيمَ الآخِرَةِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 29/ صفر الخير /1440هـ، الموافق: 7/ تشرين الثاني / 2018م