10ـ صفة خَدَّيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

10ـ صفة خَدَّيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

يَقُولُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

وَأَجْمَلَ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي   ***   وَأَفْضَلَ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ   ***   كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَـشَاءُ

صِفَةُ خَدَّيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: روى البيهقي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ وَكَانَ وَصَّافًا عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ـ فِيمَا قَالَ ـ: سَهْلَ الْخَدَّيْنِ.

وَفِي رِوَايَةٍ كما في كنز العمال عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ أَحْسَنَ النَّاسِ صِفَةً وَأَجْمَلَهَا، كَانَ رَبْعَةً إلى الطُّولِ، مَا هُوَ بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، أَسْيَلَ الخَدَّيْنِ.

سَهْلُ الخَدَّيْنِ: أَيْ: لَيْسَ في خَدَّيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نُتُوءٌ، وَلَا ارْتِفَاعٌ، وَأَرَادَ أَنَّ خَدَّيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَسْيَلَانِ، قَلِيلَا اللَّحْمِ، رَقِيقَا الْجِلْدِ، وَهَذَا هُوَ الأَحْلَى وَالأَغْلَى وَالأَعْلَى عِنْدَ العَرَبِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: صَاحِبُ الخَدِّ الأَسْيَلِ وَالسَّهْلِ الذي هُوَ مُنْتَهَى الجَمَالِ، كَانَ لَيِّنَ الجَانِبِ، مُتَوَاضِعًا، خَافِضَ الجَنَاحِ لِمَنِ اتَّبَعَهُ مُمْتَثِلًا قَوْلَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾. لِأَنَّ لينَ الجَانِبِ وَالتَّوَاضُعَ يُؤَلِّفُ القُلُوبَ وَيَجْمَعُهَا، وَيَمْلِكُهَا بِالمَحَبَّةِ، كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ كَانَ أَحَدَهُمْ، لَا يَتَعَالَى وَلَا يَتَرَفَّعُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُعْطِي لِنَفْسِهِ امْتِيَازًا إِلَّا مَا تَقْتَضِيهِ طَبِيعَةُ القِيَادَةِ مِنَ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ، روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ المَرِيضَ، وَيَشْهَدُ الجَنَازَةَ، وَيَرْكَبُ الحِمَارَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ العَبْدِ.

عَلَى هَذَيْنِ الخَدَّيْنِ الشَّرِيفَيْنِ سَالَتْ دُمُوعُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَتَقَاطَرَتْ دُمُوعُ الخَشْيَةِ وَالخَوْفِ مِنَ اللهِ تعالى، روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ».

قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ،‍ أَقْرَأُ عَلَيْكَ؟ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟

قَالَ: «إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي».

فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾. رَفَعْتُ رَأْسِي، أَوْ غَمَزَنِي رَجُلٌ إِلَى جَنْبِي، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ.

وروى ابن ماجه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى دُمُوعِهِ تَسِيلُ عَلَى خَدَّيْهِ.

وروى البيهقي عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ حَثَا عَلَى الْقَبْرِ، فَاسْتَدَرْتُ فَاسْتَقْبَلْتُهُ، فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى، ثُمَّ قَالَ: «إِخْوَانِي لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَى هَذَيْنِ الخَدَّيْنِ الأَسْيَلَيْنِ خَرَجَتْ لِحْيَتُهُ الـشَّرِيفَةُ المُبَارَكَةُ، فَازْدَادَ بِالبَهَاءِ جَلَالًا، وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَثَّ اللِّحْيَةِ.

كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اسْتَهَانَ باللَّحْيَةِ فَقَامَ بِحَلْقِهَا، وَنَسِيَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ» قَالَ زَكَرِيَّا: قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ.

وروى الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى».

وَقَدْ نَسْمَعُ مِنَ بَعْضِ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: هَلْ يُوجَدُ دَلِيلٌ مِنَ القُرْآنِ العَظِيمِ عَلَى وُجُوبِ إِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ؟ وَنَسِيَ هَؤُلَاءِ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.

وَقَدْ قَالَ تعالى حِكَايَةً عَنْ قِصَّةِ سَيِّدِنَا هَارُونَ مَعَ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾.

لِمَاذَا فَرَّ الكَثِيرُ مِنَ الرِّجَالِ مِنْهَا إلى الحَلْقِ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَرْزُقَنَا حُسْنَ الأَخْلَاقِ، وَالبُكَاءَ مِنْ خَشْيَتِهِ، وَأَنْ يُكْرِمَنَا بِحُسْنِ الاقْتِدَاءِ بِحَضْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الأربعاء: 17/ جمادى الأولى /1443هـ، الموافق: 22/ كانون الأول / 2021م