907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

907ـ خطبة الجمعة: شمروا عن ساعد الجد

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: هَا هُوَ الضَّيْفُ الكَرِيمُ يُلَوِّحُ بِالرَّحِيلِ، تَمْضِي أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً كَأَنَّهَا حُلُمٌ جَمِيلٌ، مَا أَحْلَى أَيَّامَكَ يَا أَيُّهَا الضَّيْفُ الكَرِيمُ، وَمَا أَمْتَعَ صِيَامَكَ، لَقَدْ ذُقْنَا فِيكَ لَذَّةَ الإِيمَانِ، وَحَلَاوَةَ تِلَاوَةِ القُرْآنِ، وَلَذَّةَ القُرْبِ مِنَ اللهِ تعالى.

يَا أَيُّهَا الشَّهْرُ العَظِيمُ المُبَارَكُ، رَحِيلُكَ عَنِ الأَوْلِيَاءِ الأَتْقِيَاءِ الأَنْقِيَاءِ الأَصْفِيَاءِ مُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ رَحِيلُكَ مُصِيبَةً وَفِيكَ غُلِّقَتْ أَبْوَابُ النِّيرَانِ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجِنَانِ، وَصُبَّتِ الرَّحَمَاتُ صَبًّا؟ وَلَكِنْ؛ ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ.

شَمِّرُوا عَنْ سَاعِدِ الجِدِّ فِيمَا بَقِيَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: وَلَّتْ أَيَّامُ رَمَضَانَ مُسْرِعَةً، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَيَّامٌ قَلِيلَةٌ وَسَوْفَ تَمُرُّ كَلَمْحِ البَصَرِ، فَلْنُشَمِّرْ عَنْ سَاعِدِ الجِدِّ في هَذِهِ الأَيَّامِ المُتَبَقِّيَةِ، وَلْنَقْتَدِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي كَانَ يَخُصُّ العَشْرَ الأَخِيرَ مِنْ رَمَضَانَ بِأَعْمَالٍ لَا يَعْمَلُهَا في بَقِيَّةِ الشَّهْرِ كَانَ يَخُصُّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالاعْتِكَافِ وَالقِيَامِ، وَإِحْيَاءِ اللَّيْلِ كُلِّهِ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ.

وَفي رِوَايَةٍ للإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْلِطُ الْعِشْرِينَ بِصَلَاةٍ وَنَوْمٍ، فَإِذَا كَانَ الْعَشْرُ شَمَّرَ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ ـ أَوْ شَدَّ الْإِزَارَ ـ وَشَمَّرَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ كَانَ سَلَفُ هَذِهِ الأُمَّةِ إِذَا دَخَلَتِ العَشْرُ الأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ رَفَعُوا الهِمَّةَ إلى مُنْتَهَاهَا، وَبَذَلُوا كُلَّ الطَّاقَةِ، كَيْفَ لَا، وَالعَشْرُ هِيَ آخِرُ السِّبَاقِ.

يَقُولُ سَيِّدُنَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: إِنَّ الخَيْلَ إِذَا قَارَبَتْ رَأْسَ مُجْرَاهَا أَخْرَجَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَغْتَنِمْ هَذِهِ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ، وَلْنَقْرَأْ كِتَابَنَا في حَيَاتِنَا الدُّنْيَا حَتَّى لَا نَنْدَمَ، وَحَتَّى لَا نَقُولَ: ﴿يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾. حَتَّى لَا نَقُولَ: ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾. حَتَّى لَا نَقُولَ: ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾. حَتَّى لَا نَقُولَ: ﴿يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَيَّامٌ وَتَنْتَهِي بَلْ سَاعَاتٌ وَتَنْتَهِي، هَذِهِ الأَيَّامُ هِيَ آخِرُ السِّبَاقِ، لِنَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ في هَذِهِ اللَّيَالِي المُتَبَقِّيَةِ عَامَّةً، وَسَلُوا اللهَ تعالى العَفْوَ وَالصَّفْحَ خَاصَّةً، وَرَكِّزُوا عَلَى ذَلِكَ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟

قَالَ: قُولِي: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي».

رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يَعْفُوَ عَنَّا، وَكَذَلِكَ يُحِبٌّ مِنَّا أَنْ نَعْفُوَ عَنْ بَعْضِنَا، فَمَنْ عَفَا عَمَّنْ ظَلَمَهُ فَاللهُ تعالى يَعْفُو عَنْهُ، قَالَ تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا: إِنَّ اللهَ يَنْظُرُ لَيْلَةَ القَدْرِ إلى المُؤْمِنِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَعْفُو عَنْهُمْ وَيَرْحَمُهُمْ إِلَّا أَرْبَعَةً: مُدْمِنَ خَمْرٍ، وَعَاقًّا، وَمُشَاحِنًا، وَقَاطِعَ رَحِم.

يَا رَبَّنَا، يَا مَوْلَانَا، نَعَّمْتَنَا فَلَمْ تَجِدْنَا شَاكِرِينَ، وَابْتَلَيْتَنَا فَلَمْ تَجِدْنَا صَابِرِينَ، فَلَا أَنْتَ أَزَلْتَ النِّعْمَةَ بِتَرْكِ الشُّكْرِ، وَلَا أَدَمْتَ الشِّدَّةَ بِتَرْكِ الصَّبْرِ، لِأَنَّكَ إِلَهٌ جَوَادٌ كَرِيمٌ، وَلَا يَكُونُ مِنَ الجَوَادِ الكَرِيمِ إِلَّا الجُودُ وَالكَرَمُ، فَأَدْخِلْ عَظِيمَ جُرْمِنَا في عَظِيمِ عَفْوِكِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 26/ رمضان /1445هـ، الموافق: 5/ نيسان / 2024م